وما نشاهده الآن -وهذا مع الأسف قد يلبس على كثير من العامة- أن بعض من يخرجون للدعوة إلى الله ومعهم بعض الناس؛ أول ما يخرجون يبدءون يحدثون من خرج معهم بمثل هذه الأمور، وأن هذه كرامة، وأن هذا خارق، وكثير منها أمور عادية، أو كثير منها لا يستحق أن يذكر، لكنهم يضخمونها عنده، فتكبر فيصبح هذا ديدنه، وكلما أراد أن يعظ أو يذكر يأتي بمثل هذه الحوادث، ويستشهد بذلك أنه لم يكن يريد أن يدعو إلى الله، أو يخرج في سبيل الله؛ لكن حصل كذا وكذا فهذا يدل ذلك على أنه على الحق، وأنه خرج لوجه الله، وأن عمله خالص، وأنه مقبول عند الله، وهذا كله غير مضمون، وقد يكون شيء من ذلك فنحن لا ننفي؛ لكن كوننا نجعله هو المعيار، ونجعله قاعدة تتبع؛ فهذا يدخل في تلبيس إبليس والعياذ بالله، وهذا يذكرنا بما أمر الله تعالى: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ))[فاطر:6].
فهذا عدو، والعدو يتفنن في خداعك وفي تضليلك، فلا تأمنه أبد الدهر، وإنما عليك أن تستعيذ بالله من شره، ومن شر نفسك، فإن حصل لك شيء من هذا فاحمد الله عليه، واكتمه، وقد كان السلف يكتمون ما يقع لهم من الكرامات، وإن شاء الله في موضع الكرامات نبين هذا، ونأتي بأسمائهم ووقائعهم، وقد كان بعضهم يحرج ويقسم على من يرى هذه الكرامة ألا يحدث بها أحداً، وبعضهم يقول: لا تحدث بها أحداً ما دمت حياً، فهذا دليل على تكتمهم؛ كي لا يفتنوا، ولا يفتن بهم أحد، نسأل الله أن يعصمنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.